جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
32769 مشاهدة
باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل


أما الباب بعده ففيه كيفية التعليم أو كيفية إجابة السائل؛ هذا الرجل أعرابي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: متى الساعة؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- مشتغل بمسألة يعلمها أصحابه، كان يقص على أصحابه ويحدثهم ويتكلم معهم في مسألة علمية فكره أن يقطعها بإجابة هذا الأعرابي الذي سأل بقوله: أخبرني متى الساعة؟ أو أخبرني عن الساعة ؟ الصحابة لما رأوه لم يجبه لأول مرة، قال بعضهم: يمكن أنه لم يسمع كلامه -مع أنه قد سمعه لأنه صوت به- قال آخرون: يمكن أنه سمعه ولكن كره السؤال؛ لأنه سؤال عن أمر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وقال آخرون: يمكن أنه أخر الجواب.
لا شك أنه كان يكره السؤال على الأشياء الغيبية التي لا يعلمها إلا الله ولهذا لما سأله جبريل في الحديث المشهور: أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل أي لست أعلم منك أي أنا وأنت في علمها سواء أي في العلم بها متى تقع، كذلك في هذا أنه لما انتهى من حديثه الذي كان يحدث به أصحابه؛ أجاب السائل بعد ذلك فأخبره بقوله: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة، معلوم أن علم الساعة عند الله قال تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا .
وقال -تعالى- يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا يكثر سؤالهم متى الساعة؟ متى تقوم الساعة؟ علمها عند الله قال -تعالى- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي لا يعلمها إلا هو وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله في قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ أولها علم الساعة ومع ذلك فقد أخبر ببعض أشراطها؛ إذا وسد الأمر إلى غير أهله؛ فإن ذلك من إضاعة الأمانة، إذا ولي على المسلمين من ليس بأهل، وكان الولاة كلهم في جميع البلاد غير أكفاء للولاية وغير أهل لها فعند ذلك يقرب أن تأتي الساعة بغتة.نستمع إلى كلام البخاري.